بقلم/ هناء شاهين
استشاري الصحة النفسية و الارشاد الاسرى
مقدمة :
“كفى يا كمال… لم أعد أستطيع الاستمرار معك!”
قد تبدو هذه الجملة و كأنها نهاية علاقة عاطفية، لكنها في الحقيقة بداية علاقة صحية مع الذات.
في هذا المقال، ندعوك إلى رحلة مختلفة تمامًا، رحلة تحرر من مصيدة الكمال الوهمي إلى حضن الكفاية النفسية الدافئ.
من هو “كمال” ولماذا نطارده ؟
كمال هنا لا يُقصد به شخص بعينه، بل هو حالة نفسية متسلطة، تهمس إلينا صباح و مساء:
– “يجب أن تكون الأفضل دائمًا”
– “لا يُسمح لك بالخطأ”
– “نجاحك غير مكتمل طالما لم يكن مثاليًا”
هذه الرسائل تنسج شبكة من الضغط و التوتر النفسي، تجعلنا نلهث باستمرار خلف صورة مثالية للذات لا نبلغها أبدًا. نحن لا نكتفي بالسعي نحو النجاح، بل نُلزم أنفسنا أحيانًا بكمالٍ أشبه بالإلهي، ونتناسى أن الخطأ جزء من النمو، وأن لحظات الضعف قد تكون بوابة إلى القوة.
الفرق بين الكمال والكفاية:
الكثيرون يخلطون بين المفهومين
اولا الكمال:
هو سعي دائم نحو المثالية، لا يُسمح فيه بأي تقصير، وغالبًا ما يؤدي إلى القلق، والنقد الذاتي، والشعور بعدم الرضا.
ثانيا الكفاية النفسية :
شعور عميق بالرضا الداخلي، أنك كافٍ كما أنت، تسعى للتطور دون جلدٍ للذات أو مقارنات مرهقة.
لماذا نقع في مصيدة الكمال؟
– التربية القائمة على النقد بدل التشجيع.
– تجارب الفشل السابقة التي ربطناها بقيمتنا الذاتية.
– معايير المجتمع التي تمجّد الإنجاز وتُهمل الإنسان.
– وسائل التواصل الاجتماعي التي تصدّر لنا صورًا مصطنعة للكمال.
الكفاية النفسية من منظور علم النفس:
في مدارس العلاج النفسي المختلفة، تُعد الكفاية النفسية مؤشرًا على التوازن النفسي
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT) تُستخدم لإعادة بناء الحديث الداخلي وتعديل المعتقدات التلقائية السلبية.
- العلاج الإنساني: (Humanistic Therapy)
تُبنى العلاقة العلاجية على أساس أن كل إنسان يستحق الاحترام والقبول غير المشروط.
– في العلاج الجدلي السلوكي (DBT): تُدرّس مهارات تقبل الذات دون إصدار أحكام كجزء من علاج مشاعر الألم أو الاندفاعية.
كيف أصل إلى الكفاية النفسية؟
- راقب حديثك الداخلي: استبدل جُملًا مثل: “أنا فاشل” بـ “أنا أتعلم من تجربتي”
- تعلم قول لا: وضع الحدود لا يعني الأنانية، بل هو تعبير عن احترام الذات.
- احتفل بالإنجازات الصغيرة التقدير الذاتي لا يشترط إنجازًا خارقًا.
- تقبل العيوب أنت إنسان، ولست مشروعًا هندسيًا.
- اطلب الدعم النفسي عند الحاجة السعي للمساعدة ليس ضعفًا بل وعيًا ونضجًا.
خلاصة المقال :
أن تكون كافيًا لا يعني أن تتوقف عن الطموح، بل يعني أن تتوقف عن معاقبة نفسك في كل مرة لم تصل فيها إلى ما تعتبره “الكمال”.
الكفاية هي أن تنام وأنت راضٍ عن نفسك، لا لأنك أنجزت كل شيء، ولكن لأنك كنت صادقًا، مجتهدًا، ومتسامحًا مع ذاتك.
كن لطيفًا مع نفسك… لأنك تستحق